تقرير خاص :راشيل غنوم
في أعماق الظلام، حيث لا يُرى إلا الموت والصمت، هناك جرحٌ لا يلتئم. على الأراضي السورية، تمتد الحكايات الأليمة التي لا تُسمع إلا في همسات الألم، بينما تتساقط النساء ضحايا لحروب غير مرئية، حيث الاغتصاب أصبح أداة حرب وسلاحاً يُستخدم لتدمير الإنسان
840 مليون امرأة في العالم تعرضن للعنف الجسدي والجنسي طوال حياتهن، ولكن ما يحصل في سوريا هو قصة أخرى. قصة عنف أشد، استُخدم فيه الاغتصاب كسلاح حرب مباشر، ومعه كل أساليب التعذيب التي لا تُعبر عنها الكلمات.
في الساحل السوري، حيث تمتد مناطق اللاذقية وطرطوس وحماة، تتجسد مأساة جديدة. هذه المناطق، التي كان يُفترض أن تكون ملاذاً للأمان، أصبحت مسرحاً لانتهاك حقوق النساء والفتيات على مرأى من الجميع. في ظل الحرب الأهلية السورية، حيث دُمرت الدولة وتفتتت مؤسساتها، استُغلت النساء كأدوات للترهيب والإذلال، وضُربت كل القيم الإنسانية عرض الحائط؟
حالات الاغتصاب: أكثر من مجرد أرقام
“200 حالة اغتصاب، بعضها لفتيات دون سن الثامنة عشرة، تُسجل في مناطق الساحل السوري، وأحياناً داخل مراكز الاحتجاز الرسمية”. هذه الأرقام ليست فقط مجرد إحصائيات، بل هي صرخات تُقتل قبل أن تصل إلى آذان العالم. تقارير المنظمات الحقوقية الدولية، مثل “هيومن رايتس ووتش” و”العفو الدولية”، تروي كيف أصبح الاغتصاب جزءاً من آلة القمع التي تستخدمها القوات الحكومية ضد المدنيين.
وتروي الشهادات الحية من ضحايا الاغتصاب، كيف تم خطفهن في الليل، وكيف تحولن إلى أدواتٍ للذل والانتقام. بينما كانت النساء يختبئن من القصف والدمار، كان الخطف على يد القوات الحكومية مصيرهن، ليس فقط للقتل، ولكن ليكن ضحايا اغتصاب جماعي. داخل مراكز الاحتجاز، تحول الألم إلى روتين يومي: “المغتصبون ليسوا فقط جنوداً؛ بل هم آلة قمع تهدم كل ما تبقى من كرامة الإنسان.”
سادية المعاملة: أداة للتعذيب والإذلال
الاغتصاب في سوريا لم يكن مجرد فعل عنف جسدي، بل أداة سادية للقمع. أساليب التعذيب التي استخدمها الجنود في مراكز الاحتجاز تجاوزت كل الحدود. إحدى الشهادات من ضحية تقول: “استخدموا الجرذان والقطط في تعذيبنا، ولم يكن الأمر مجرد تعذيب جسدي. كان اغتصابنا جزءًا من عملية تدميرنا نفسياً.”
هذه الأساليب السادية لا تستهدف الجسد فقط، بل تستهدف الروح. الهدف هو تدمير النساء عقلياً وجسدياً، حتى لا تترك خلفها سوى أشباح
الحكومة السورية: تساهلٌ مريب وصمتٌ مفضوح
تتغاضى الحكومة السورية عن هذه الجرائم ولا تقدم أي تفسير واضح. في سوريا، حيث يعم الصمت المؤسسات الرسمية، تُعتبر النساء المغتصبات “ضحايا جرائم شرف” في المجتمع. هذه المعادلة المدمرة تفتح أبواباً جديدة من العنف داخل المجتمع السوري، حيث يتحمل الضحايا في بعض الأحيان اللوم على ما جرى لهم.
الغريب في الأمر هو تقاعس الدولة عن محاسبة المسؤولين. بل إن العديد من الحوادث تُغلق بأيدي الفاسدين الذين يسهمون في تغذية النظام الذي يدمر البلاد. بينما يُفترض أن تكون مراكز الاحتجاز أماكن لحماية النساء من العنف، فهي في الواقع تتحول إلى معسكرات للتعذيب
منظمات حقوق الإنسان: صرخات لا تُسمع
وحتى الآن، رغم التقارير الدولية التي تفضح ما يحدث، لم تُتخذ أي إجراءات حاسمة ضد الحكومة السورية. التقارير الحقوقية التي توثق هذه الجرائم يتم تجاهلها، والمنظمات الدولية التي تحاول فتح تحقيقات تُواجه بتعقيدات قانونية وتعتيم إعلامي.
لقد طالبت العديد من المنظمات الدولية بإحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية، ولكن التحقيقات الجادة لم تبدأ بعد، بينما لا يزال المعتقلون في السجون السورية يواجهون مصيرهم المجهول
الآثار النفسية والجسدية على الضحايا: جروح لا تندمل
عندما نتحدث عن الآثار النفسية للعنف الجنسي، نحن لا نتحدث عن جروحٍ سطحية. هذه الجروح تبقى محفورة في ذاكرة النساء لسنوات طوال، قد تترافق مع اضطرابات نفسية شديدة مثل اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، الاكتئاب الحاد، والأزمات النفسية التي تقضي على آمالهن في الحياة
إحدى الضحايا تروي قائلة: “حتى لو خرجت من سجونهم، سأظل سجينة لعذابي النفسي. لا أحد يفهم ما عشت، ولا أحد يجرؤ على مساعدتي
إلى متى؟
لقد حان الوقت للحديث بصوت عالٍ عن هذه الجرائم الوحشية. لقد حان الوقت لمحاسبة النظام السوري على هذه الانتهاكات الفظيعة. وعلى المجتمع الدولي أن يتحرك بشكل عاجل، قبل أن تُسجل هذه الجرائم في التاريخ كوصمة عار أخرى لم يتم معالجتها
إن النساء في الساحل السوري، مثل غيرهن من النساء في جميع أنحاء البلاد، يستحقن العدالة. وفي الوقت الذي تتداعى فيه مؤسسات الدولة، يجب أن يتضافر المجتمع الدولي لرفع الصوت ضد هذه الانتهاكات وحماية حقوق الإنسان
لن يكون هناك شفاء للمجتمع السوري إلا بعد أن نحقق العدالة للنساء اللاتي تم اغتصابهن وتعذيبهن
تحقيق بمجراز الساحل
البند الأول الاغتصاب


